خيارات حماس الصعبة في غزة- مقاومة حتى النهاية أم استسلام؟

المؤلف: محمود عبد الهادي11.08.2025
خيارات حماس الصعبة في غزة- مقاومة حتى النهاية أم استسلام؟

لقد تناولت في مقالي السابق المخاطر الجسيمة التي تحدق بمستقبل كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي جو بايدن، وحركة حماس، جراء الحرب الدائرة في غزة. هذا الخطر الوجودي يدفع الأطراف الثلاثة إلى الإصرار على مواصلة القتال حتى تحقيق النصر، وهو ما يمثل معضلة حقيقية لحركة حماس التي تواجه تحديات جمة على الصعيدين الداخلي والخارجي، مما يعيق بشدة قدرتها على الظفر بالانتصار، وخصوصًا مع تعدد الأطراف الساعية إلى إلحاق الهزيمة بها واقتلاعها من جذورها.

في مجابهة هذا التهديد المصيري، تقف حركة حماس، مدعومة بالمقاومة الفلسطينية الباسلة في قطاع غزة، أمام طيف محدود من الخيارات المعقدة والشائكة للغاية. فأي من هذه السبل سيكون الأجدى والأقل وطأة على الحركة؟

على الرغم من الكلفة الباهظة لخيار المقاومة حتى النفس الأخير، إلا أنه الخيار الوحيد المتاح لحماس، والقادر على تحقيق الغلبة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

الخيارات الصعبة

لقد أشرنا في مقالنا السابق إلى ثلاثة خيارات عصيبة تفرض نفسها على حركة حماس، وسوف نتناول كل خيار على حدة من منظورين: احتمالية تحققه، والتكلفة المترتبة عليه.

الخيار الأول: القبول بهدنة إنسانية ظرفية دون اشتراط وقف دائم وشامل لإطلاق النار

منذ ما يربو على شهرين، تجري مباحثات مكثفة بين الكيان الصهيوني وحركة حماس بوساطة كل من الدوحة والقاهرة، بغية التوصل إلى هدنة إنسانية تهدف إلى إيصال المساعدات الإغاثية والإفراج عن الأسرى. بيد أن هذه المفاوضات اصطدمت بجدار مسدود، نتيجة إصرار حركة حماس على شرط الوقف التام والنهائي لإطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من كامل قطاع غزة. واستنادًا إلى الرفض المبدئي لهذا الشرط من جانب الكيان الصهيوني، لا تزال المحادثات جارية لتجاوز هذه العقبة. فهل ستؤول الأمور إلى قبول حماس بهذه الهدنة المؤقتة؟

الإمكانية

لا يمكن لحماس أن تتخلى عن هذا الشرط الجوهري؛ لأنه ببساطة يعني موافقتها الضمنية على حكم الإعدام بحقها، ومنح التحالف الصهيو-أميركي الحق المطلق في مواصلة العمليات العسكرية لتحقيق مسعاه الخبيث في القضاء عليها نهائيًا.

التكلفة

التنازل عن هذا الشرط يحمل في طياته تبعات وخيمة تتجلى فيما يلي:

تمكين التحالف الصهيو-أميركي من عزل المدنيين في مناطق إيواء بعيدة عن ساحات المعارك ومناطق الاشتباك، وإنهاء الدور الإداري والأمني لحركة حماس والمقاومة في صفوف النازحين الذين سيخضعون لترتيبات خاصة لم يُكشف عن تفاصيلها بعد، تشارك فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وبعض الدول العربية. كذلك، يتمثل في تمكين التحالف الصهيو-أميركي من إحكام الطوق على حركة حماس والمقاومة من جميع الجهات. وأيضًا إخلاء ساحة القتال من المدنيين، وإفساح المجال أمام الكيان الصهيوني للانفراد بحركة حماس والمقاومة، في عمليات قتالية تستند إلى تكتيكات مبتكرة وإستراتيجية عسكرية تعتمد على النفس الطويل، قد تستغرق سنة أو سنتين على أقصى تقدير، وفقًا لتقديرات قادة الجيش الصهيوني. وهي إستراتيجية تراعي مطالب الإدارة الأميركية ومحكمة العدل الدولية والأمم المتحدة في الحفاظ على المدنيين، وتوفير المساعدات الضرورية لهم.

لا تستطيع حماس التنازل عن شرط الوقف النهائي والشامل لإطلاق النار؛ لأنه يعني موافقتها على حكم الإعدام، ومنح التحالف الصهيو-أميركي الحق في مواصلة العمليات العسكرية لتحقيق أهدافه المشبوهة.

الخيار الثاني: الاستسلام والانسحاب من قطاع غزة في إطار تسويات إقليمية ودولية

هذا الخيار كان مطروحًا على طاولة حركة حماس منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر، إلا أنها تجاهلته تمامًا في حينه، ولم تستجب للأطراف التي دعت إليه. وهو خيار لا يزال العديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية يطرحه كحل عاجل لوقف إطلاق النار وإنهاء الأزمة المتفاقمة في قطاع غزة، على غرار ما حدث مع حركة فتح ومنظمة التحرير، عندما قبلت بوقف الحرب مقابل الانسحاب من لبنان في حرب عام 1982 بعد أكثر من 80 يومًا من القتال الضاري.

الإمكانية

من المستبعد تمامًا أن يكون هذا الخيار واردًا في حسابات حركة حماس في هذه المرحلة الحرجة، لأنه يمثل انتحارًا تنظيميًا وعسكريًا وسياسيًا وفكريًا واجتماعيًا. وسيكون قبولها به اعترافًا صريحًا بارتكابها خطأ سياسيًا وعسكريًا فادحًا، يحملها مسؤولية الثمن الباهظ الذي دفعه قطاع غزة في الأشهر الثلاثة الماضية على الأقل.

التكلفة

ستكون الخسائر التي ستتكبدها حماس والمقاومة في هذا الخيار جسيمة للغاية، وتتجلى أبرزها فيما يلي:

انتصار التحالف الصهيو-أميركي في المعركة وتمكينه من السيطرة على قطاع غزة، وإفساح المجال أمامه لتنفيذ مخططات اليوم التالي في القطاع بما يتماشى مع مصالحه الآنية والمستقبلية، والتحكم المطلق في مجريات الأمور دون السماح بأي تدخل عربي أو إسلامي. وتصفية كاملة للوجود الإداري والأمني والاجتماعي لحماس والمقاومة في قطاع غزة. وحل فصائل وكتائب المقاومة المسلحة. وحدوث انشقاقات تنظيمية في الكيانات العسكرية والسياسية. وانهيار الأسس الفكرية التي قامت عليها هذه الكيانات. وتحمّل المسؤولية الكاملة عن كافة الخسائر التي تكبدها قطاع غزة في هذه الحرب والحروب السابقة. وتراجع المكانة السياسية في المشهد السياسي الفلسطيني، والمكانة الاجتماعية في صفوف المجتمع الفلسطيني، والمكانة العاطفية في قلوب الشعوب العربية والإسلامية.

الخيار الثالث: المقاومة حتى الرمق الأخير

هذا الخيار يقتضي مواصلة حماس التمسك بشروط الوقف الدائم والشامل لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الصهيوني من جميع أراضي قطاع غزة، والاستمرار في المقاومة الباسلة لإجبار الكيان الصهيوني على الرضوخ لهذه الشروط العادلة.

الإمكانية

على الرغم من التكلفة الباهظة لهذا الخيار، فإنه الخيار الوحيد المتوفر في يدها، وتسيطر عليه بصورة كاملة حتى الآن. وهو الخيار الأوحد الذي سيصنع النصر المؤزر للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في قطاع غزة ولحماس والمقاومة المسلحة، وسيحافظ لها على زخمها السياسي والعسكري والفكري والاجتماعي.

فضلًا عن أنه الخيار الأمثل أمامها لتأكيد التمسك بالحقوق المشروعة وشرعية المقاومة وجريمة الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية في حق الشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، والمحافظة على التأييد الشعبي العالمي للقضية الفلسطينية ومطالبها العادلة، وهو الخيار الوحيد الذي سيواصل تحريك التفاعلات والتداعيات الإقليمية والدولية المفتوحة حاليًا على الكثير من الاحتمالات والتوقعات.

التكلفة

ستكون الخسارة المادية في هذا الخيار هي الأكبر مقارنة ببقية الخيارات، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

استمرار عمليات القصف والتدمير الصهيونية وبمعدلات أكثر شراسة وهمجية مما سبق، بهدف زيادة الضغط على حماس والمقاومة وإجبارهما على الخضوع لشروط التحالف الصهيو-أميركي. استمرار الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين العزل، والتي بلغت معدلات غير مسبوقة إلا في حالات الأوبئة والزلازل والقنابل الذرية. استمرار المعاناة المريرة للمدنيين من النازحين المشردين، ومن الصامدين الصابرين وسط ركام بيوتهم المدمرة، بلا ماء ولا غذاء ولا كساء ولا دواء. زيادة الضغط اللوجيستي على فصائل المقاومة، مما سيزيد من قسوة ظروف العمليات العسكرية، وخاصة مع طول المدة، وانعدام الإمداد. قيام التحالف الصهيو-أميركي بتنفيذ عملياته العسكرية الغاشمة في مدينة رفح المكتظة بالنازحين، والتي ستفتح المجال أمام سيناريوهات جديدة كارثية خاصة بالنازحين، تبدو حاليًا مجرد تكهنات ومعلومات غير مؤكدة.

تبقى هذه الخيارات الثلاثة ليست قطعية، ولكنها حاليًا الأكثر حضورًا أمام حماس والمقاومة المسلحة في قطاع غزة، في محاولة يائسة لمواجهة عمليات الاستئصال الوحشية التي يقوم بها التحالف الصهيو-أميركي وشركاؤه الإقليميون والدوليون، وذلك في ظلّ سير العمليات العسكرية والإنسانية والجيوسياسية على الأرض في قطاع غزة، وفي ضوء السياق الإقليمي والدولي المعقد الذي يخضع حاليًا لعوامل جمة، قد تعيد ترتيب المعادلات والأولويات لدى جميع الأطراف المتنازعة، وقد تقودُه إلى الانفجار الشامل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة